فصل: مناسبة الآيتين لما قبلهما:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (113- 114):

قوله تعالى: {وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)}

.مناسبة الآيتين لما قبلهما:

قال البقاعي:
ولما كان التقدير: فأخر أمرهما وأرسل كما قالوا، فجمعوا من وجدوه منهم، عطف عليه قوله: {وجاء السحرة فرعون} ولما تشوف السامع إلى خبرهم، قال مجيبًا له استئنافًا: {قالوا} أي لفرعون عندما حضروا بين يديه متوثقين لنفع أنفسهم مفهمين له أنهم غالبون، لا مانع لهم من ذلك إلا عدم إنصافهم، سائقين للكلام في قراءة الجماعة مساق الاستفهام أدبًا معه في طلب الإكرام: {إن لنا لأجرًا} وأكدوا طلبًا لإخراج الوعد على حال التكذيب {إن كنا نحن} أي خاصة {الغالبين} ومن أخبر أراد الاستفهام وهم نافع وابن كثير وحفص عن عاصم {قال} أي فرعون {نعم} أي لكم أجر مؤكد الخبر به، وزاد بيان التأكيد بما زادهم به رغبة في قوله: {وإنكم} أي زيادة على ذلك {لمن المقربين} أي عندي في الحضرة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَجَاء السحرة فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قرأ نافع، وابن كثير، وحفص، عن عاصم، {إن لنا لأجرًا} بكسر الألف على الخبر والباقون على الاستفهام، ثم اختلفوا، فقرأ أبو عمرو بهمزة ممدودة على أصله والباقون بهمزتين قال الواحدي رحمه الله: الاستفهام أحسن في هذا الموضع، لأنهم أرادوا أن يعلموا هل لهم أجر أم لا؟ ويقطعون على أن لهم الأجر ويقوي ذلك إجماعهم في سورة الشعراء على الهمز للاستفهام وحجة نافع وابن كثير على أنهما أرادا همزة الاستفهام، ولكنهما حذفا ذلك من اللفظ وقد تحذف همزة الاستفهام من اللفظ، وإن كانت باقية في المعنى كقوله تعالى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ} [الشعراء: 22] فإنه يذهب كثير من الناس إلى أن معناه أو تلك بالاستفهام، وكما في قوله: {هذا رَبّى} [الأنعام: 78] والتقدير أهذا ربي وقيل: أيضًا المراد أن السحرة أثبتوا لأنفسهم أجرًا عظيمًا، لأنهم قالوا: لابد لنا من أجر، والتنكير للتعظيم كقول العرب: إن له لإبلًا، وإن له لغنمًا، يقصدون الكثرة.
المسألة الثانية:
لقائل أن يقول: هلا قيل: {وجاء السحرة فرعون قالوا}.
وجوابه: هو على تقدير: سائل سأل: ما قالوا إذ جاؤه.
فأجيب بقوله: {قالوا أئن لنا لأجرًا} أي جعلا على الغلبة.
فإن قيل: قوله: {وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين} معطوف، وما المعطوف عليه؟
وجوابه: أنه معطوف على محذوف، سد مسده حرف الإيجاب، كأنه قال إيجابًا لقولهم: إن لنا لأجرًا، نعم إن لكم لأجرًا، وإنكم لمن المقربين.
أراد أني لا أقتصر بكم على الثواب، بل أزيدكم عليه، وتلك الزيادة إني أجعلكم من المقربين عندي.
قال المتكلمون: وهذا يدل على أن الثواب إنما يعظم موقعه إذا كان مقرونًا بالتعظيم، والدليل عليه أن فرعون لما وعدهم بالأجر قرن به ما يدل على التعظيم، وهو حصول القربة.
المسألة الثالثة:
الآية تدل على أن كل الخلق كانوا عالمين بأن فرعون كان عبدًا ذليلًا مهينًا عاجزًا، وإلا لما احتاج إلى الاستعانة بالسحرة في دفع موسى عليه السلام، وتدل أيضًا على أن السحرة ما كانوا قادرين على قلب الأعيان، وإلا لما احتاجوا إلى طلب الأجر والمال من فرعون، لأنهم لو قدروا على قلب الأعيان، فلم لم يقبلوا التراب ذهبًا، ولم لم ينقلوا ملك فرعون إلى أنفسهم ولم لم يجعلوا أنفسهم ملوك العالم ورؤساء الدنيا، والمقصود من هذه الآيات تنبيه الإنسان لهذه الدقائق، وأن لا يغتر بكلمات أهل الأباطيل والأكاذيب. والله أعلم. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {وَجَاء السحرة فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأجْرًا} يعني قالوا لفرعون أتعطينا جعلًا ومالًا {إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين} لموسى {قَالَ} لهم فرعون {نِعْمَ} لكم الجعل {وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين} يعني: لكم المنزلة به سوى العطية يعني: إنكم تكونون أول من يدخل علي بالسلام قرأ أبو عمرو آينَّ لنا لأجْرًا بمد الألف.
وقرأ عاصم في رواية حفص إن بهمزة واحدة بغير ياء وقرأ الباقون بهمزتين وقرأ ابن كثير ونافع إنَّ لَنَا بهمزة واحدة بغير ياء.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي أإن لنا بهمزتين فلما اجتمع السحرة وغدوا للخروج يومًا وأعلن الناس بخروجهم ليجتمعوا عند سحرهم كما قال في آية أخرى: {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة وَأَن يُحْشَرَ الناس ضُحًى} [طه: 59] أي: يوم عيد كان لهم ويقال: يوم النيروز. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {وجاء السحرة} الآية، هنا محذوفات يقتضيها ظاهر الكلام وهي أنه بعث إلى السحرة وأمرهم بالمجيء، وقال ابن عباس أنه بعث غلمانًا فعلموا بالفرما وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية حفص {إن لنا لأجرا} على جهة الخبر، وقرأوا في الشعراء {أن لنا} ممدودة مفتوحة الألف غير عاصم فإنه لا يمدها، قال أبو علي ويجوز أن تكون على جهة الاستفهام وحذف ألفها، وقد قيل ذلك في قوله: {أن عبدت بني إسرائيل} [الشعراء: 22] ومنه قول الشاعر: [حضرمي بن عامر].
أفرح أن أرزأ الكرام

وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي هنا وفي الشعراء {آإن} بألف الاستفهام قبل إن وقرأت فرقة {أئن} دون مد، وقرأ أبوعمرو هنا وفي الشعراء {أئن}، والأجر هنا الأجرة فاقترحوها إن غلبوا فأنعم فرعون لهم بها وزادهم المنزلة والجاه، ومعناه المقربين مني، وروي أن السحرة الذين جاءوا إلى فرعون كانوا خمسة عشر ألفًا قاله ابن إسحاق، وقال ابن جريج كانوا تسعمائة، وذكر النقاش أنهم كانوا اثنين وسبعين رجلًا، وقال عكرمة: كانوا سبعين ألفًا قال محمد بن المنكدر كانوا ثمانين ألفًا، وقال السدي مائتي ألف ونيفًا.
قال القاضي أبو محمد: وهذه الأقوال ليس لها سند يوقف عنده، وقال كعب الأحبار: اثني عشر ألفًا، وقال السدي: كانوا بضعة وثلاثين ألف رجل مع كل رجل حبل وعصا، وقال أبو ثمامة: كانوا سبعة عشر ألفًا. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وجاء السحرة فرعون قالوا إنّ لنا لأجرًا إن كنا نحن الغالبين}.
في الكلام حذف يقتضيه المعنى وتقديره فأرسل حاشرين وجمعوا السحرة وأمرهم بالمجيء واضطرب الناقلون للأخبار في عددهم اضطرابًا متناقضًا يعجب العاقل من تسطيره في الكتب فمن قائل تسعمائة ألف ساحر وقائل سبعين ساحرًا فما بينهما من الأعداد المعينة المتناقضة {وجاء} قالوا: بغير حرف عطف لأنه على تقدير جواب سائل سأل ما قالوه إذ جاء قالوا: {إن لنا لأجرًا} أي جعلًا، وقال الحوفي {وقالوا} في موضع الحال من السحرة والعامل {جاء}، وقرأ الحرميان وحفص {إن} على وجه الخبر واشتراط الأجر وإيجابه على تقدير الغلبة ولا يريدون مطلق الأجر بل المعنى لأجرًا عظيمًا ولهذا قال الزمخشري: والتنكير للتعظيم كقول العرب إن له لإبلًا وإن له لغنمًا يقصدون الكثرة وجوّز أبو علي أن تكون {إن} استفهامًا حذفت منه الهمزة كقراءة الباقين الذين أثبتوها وهم الأخوان وابن عامر وأبو بكر وأبو عمرو فمنهم من حققهما ومنهم من سهل الثانية ومنهم من أدخل بينهما ألفًا والخلاف في كتب القراءات وفي خطاب السحرة بذلك لفرعون دليل على استطالتهم عليه باحتياجه إليهم وبما يحصل للعالم بالشيء من الترفع على من يحتاج إليه وعلى من لا يعلم مثل علمه و{نحن} إما تأكيد للضمير وإما فصل وجواب الشرط محذوف، وقال الحوفي في جوابه ما تقدم.
{قال نعم وإنكم لمن المقربين} أي نعم إن لكم لأجرًا {وإنكم} فعطف هذه الجملة على الجملة المحذوفة بعد {نعم} التي هي نائبة عنها والمعنى لمن المقربين مني أي لا أقتصر لكم على الجعل والثواب على غلبة موسى بل أزيدكم أن تكونوا من المقربين فتحوزون إلى الأجر الكرامة والرّفعة والجاه والمنزلة والمثاب إنما يتهنى ويغتبط به إذا حاز إلى ذلك الإكرام، وفي مبادرة فرعون لهم بالوعد والتقريب منه دليل على شدّة اضطراره لهم وإنهم كانوا عالمين بأنه عاجز ولذلك احتاج إلى السحرة في دفع موسى عليه السلام. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَجَاء السحرة فِرْعَوْنَ} بعدما أرسل إليهم الحاشرين وإنما لم يصرَّح به حسبما في قوله تعالى: {فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ في المدائن حاشرين} للإيذان بمسارعة فرعونَ إلى الإرسال ومبادرةِ الحاشرين والسحرة إلى الامتثال.
{قَالُواْ} استئنافٌ منوطٌ بسؤال نشأ من مجيء السحرةِ كأنه قيل: فماذا قالوا له عند مجيئِهم إياه؟ فقيل: قالوا مدْلين بما عندهم واثقين بغلبتهم: {إِنَّ لَنَا لاجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين} بطريق الإخبارِ بثبوت الأجرِوإيجابِه كأنهم قالوا: لابد لنا من أجر عظيم حينئذ، أو بطريق الاستفهامِ التقريري بحذف الهمزة وقرئ بإثباتها، وقولُهم: {إن كنا} لمجرد تعيينِ مناطِ ثبوتِ الأجرِ لا لترددهم في الغلبة، وتوسيطُ الضميرِ وتحليةُ الخبر باللام للقصر أي إن كنا نحن الغالبين لا موسى {قَالَ نَعَمْ} وقوله تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين} عطف على محذوف سد مسدَّه حرفُ الإيجابِ كأنه قال: إن لكم لأجرًا وإنكم مع ذلك لمن المقربين للمبالغة في الترغيب. روي أنه قال لهم: تكونون أولَ من يدخُل مجلسي وآخِرَ من يخرُج منه. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَجَاء السحرة فِرْعَوْنَ}.
بعدما أرسل إليهم الحاشرين وإنما لم يصرح به للإيذان بمسارعة فرعون بالإرسال ومبادرة الحاشرين والسحرة إلى الامتثال.
واختلف في عدتهم.
فعن كعب أنهم إثنا عشر ألفًا، وعن ابن إسحاق خمسة عشر ألفًا، وعن أبي ثمامة سبعة عشر ألفًا، وفي رواية تسعة عشر ألفًا؛ وعن السدي بضعة وثلاثون ألفًا، وعن أبي بزة أنهم سبعون ألفًا، وعن محمد بن كعب ثمانون ألفًا.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن جرير قال: السحرة ثلثمائة من قومه وثلمائة من العريش ويشكون في ثلثمائة من الاسكندرية.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم كانوا سبعين ساحرًا وقد أخذوا السحر من رجلين مجوسيين من أهل نينوى مدينة يونس عليه السلام، وروى نحو ذلك عن الكلبي، والظاهر عدم صحته لأن المجوسية ظهرت زمن زرادشت على المشهور، وهو إنما جاء بعد موسى عليه السلام، واسم رئيسهم كما قال مقاتل: شمعون وقال ابن جريج: هو يوحنا، وقال ابن الجوزي نقلًا عن علماء السير: أن رؤساءهم سابور وعازور وحطحط ومصفى {قَالُواْ} استئناف بياني ولذا لم يعطف كأنه قيل: فماذا قالوا له عند مجيئهم إياه؟ فقيل: قالوا الخ، وهذا أولى مما قيل إنه حال من فاعل جاءوا أي جاءوا قائلين {إِنَّ لَنَا لاجْرًا} أي عوضًا وجزاء عظيمًا.
{إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين} والمقصود من الإخبار إيجاب الأجر واشتراطه كأنهم قالوا: بشرط أن تجعل لنا أجرًا إن غلبنا، ويحتمل أن يكون الكلام على حذف أداة الاستفهام وهو مطرد، ويؤيد ذلك أنه قرأ ابن عامر وغيره {أئن} بإثبات الهمزة وتوافق القراءتين أولى من تخالفهما؛ ومن هنا رجح الواحدي هذا الاحتمال، وذكر الشرط لمجرد تعيين مناط ثبوت الأجر لا لترددهم في الغلبة، وقيل: له، وتوسيط الضمير وتحلية الخبر باللام للقصر، أي كنا نحن الغالبين لاموسى عليه السلام.
{قَالَ نَعَمْ} إن لكم لأجرًا.
{وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين} عطف على مقدر هو عين الكلام السابق الدال عليه حرف الإيجاب، ويسمى مثل هذا عطف التلقين، ومن قال إنه معطوف على السابق أراد ما ذكرنا، والمعنى إن لكن لأجرًا وإنكم مع ذلك لمن المقربين، أي إني لا أقتصر لكم على العطاء وحده وأن لكم معه ما هو أعظم منه وهو التقريب والتعظيم لأن من أعطى شيئًا إنما يتهنأ به ويغتبط إذا نال معه الكرامة والرفعة، وفي ذلك من المبالغة في الترغيب والتحريض ما لا يخفى، وروى عن الكلبي أنه قال لهم: تكونون أول من يدخل مجلسي وآخر من يخرج عنه. اهـ.